]كان رجلا طيبا صالحا حسن الأخلاق يحب عمل الخير وكان له صديق طفوله أحبا بعضهما في الله فلم يفترقا إلا عندما اشتبا في العمر وأخذ كل منهما يضرب في الأرض بحثا عن الرزق .
إشتغل بالتجارة وكان فيها أمينا ناصحا فهو لا يحب إلا ما كان حلالا طيبا وهكذا نمت تجارته فأصبح من كبار التجار وفتح الله عليه أبواب الخير ويسر له أموره .
لم يتوان عن مد العون للناس فكان يبادر إلى المساعدة عندما يسمع بمحتاج وكانت يده ممدودة بالخير والعطاء دائما مهما كانت الظروف كما كان يساعد أرحامه وأقرباءه بكل ما يصلح أحوالهم .
بحث عن صديقه حتى وجده في بيت صغير متواضع وقد تزوج من امرأة صالحة ترعى بيتها وأسرتها .
تعانقا وبعد التحية والسلام أخذا في السؤال عن الأحوال وعرف كل منهما حال الآخر فعرف صاحبنا أن صديقه يكافح من أجل لقمة العيش وستر الحال فعرض عليه مبلغا من المال يصلح به أحواله لكنه رفض شاكرا وأخبره بأنه لن يتردد في الوصول إليه عندما تسوء أحواله .
لم تنفع كل محاولات صاحبنا لمساعدة صاحبه بشيء لكنه أخذ عليه وعدا أن يزوره بين وقت وآخر وأن لا ينسى أحدهما الآخر
بعد فترة من الزمن , كثر الأصدقاء وأصبح بيته يمتليء بالناس , منهم من يطلب مساعدة ومنهم من يأتي للسمر والسلام وهكذا أصبح من الأغنياء الذين عمرت بيوتهم بالزائرين .
لم يكن صديقه من ضمن الزائرين ومع ذلك فقد كان يعلم أنه يحبه حتى وإن لم يأت للزيارة وما منعه من ذلك إلا العفاف والخوف أن يظن أنه جاء بفعل حاجة ما .
كان يعلم أن من بين هؤلاء الأصدقاء الكثير من المتملقين الذين تربطهم صداقة المصلحة فقط لذا قرر أن يجربهم .
في ليلة من الليالي وبعد تناول العشاء الدسم خاطب زواره قائلا :
أيها الأصدقاء الأعزاء , تعلمون أني أعمل بالتجارة منذ فترة لكني هذه المرة قررت أن أقفز قفزة تجعل أرباحي تعادل كل السنين التي مضت لكن المال الذي بحوزتي لا يكفي فهل لكم أن تسلفوني شيئا من عندكم حتى أحقق هذا الحلم !!
نعم نعم , صاح الأصدقاء في صوت واحد ثم أضافوا :
قل لنا ما تريد وسنعطيك ما تشاء .
قال : فليأتني كل منكم بمبلغ من المال ويضعه في صرة ويكتب عليها اسمه .
في اليوم التالي ومنذ الصباح الباكر كان طابور الأصدقاء طويلا وكل منهم يحمل صرة وبها مبلغ من المال يضعونها في صندوق كبير من الحديد في منزل صديقهم التاجر ومضوا في سبيلهم .
لم تمض إلا فترة قصيرة حين أشاع بين الناس أن تجارته أصيبت بانتكاسة وزادت خسائره وأخذ يستدين من الناس .
انتشر الخبر بين الناس كانتشار النار في الهشيم أن التاجر الفلاني الكبير أفلس .
ذهب إلى رجل في المدينة يثق به وأخبره بالأمر على أن يكتم السر ثم طلب منه أن يقبل بيته للرهن بثمن بخس حتى تكتمل التمثيلية ثم غادر المنزل وأقام في منزل آخر .
جاء الأصدقاء يتسارعون يبحثون عن صديقهم المفلس يريدون مالهم فوجدوا أنه قد رحل إلى منزل آخر صغير في غاية التواضع فلم يلبثوا قليلا حتى عرفوا مكان الصديق وإذا بهم يسرعون إليه فلما وصلوا ووجدوه في هذا البيت البسيط وتأكدوا أن ما سمعوه حقيقة انهالوا عليه يبغون مالهم .
قال لهم أحقا تريدون مالكم أم تمهلوني فترة حتى أسوي الأمور .
إزداد صراخهم ,,, نريد مالنا فورا ,,, كيف ستسوي الأمور وأنت مفلس حتى منزلك لم تستطع إنقاذه .
أستطيع إنقاذه إذا وقفتم معي هذه المرة , قال ذلك وأضاف , كلما أحتاجه منكم قليل من المال لأسترد منزلي ونعيد الحياة إلى ما كانت عليه ,و..و ..
قاطعوه ..
لا لا لا , نريد ما لنا فورا ... وقم أنت وحدك بإعادة الحياة إلى ما كانت عليه إن استطعت ولسنا بحاجة إلى سمرك وعشائك وأحلامك التجارية ...
طيب ... طيب لكم ما تشاؤون , قال ذلك بصوت هاديء ثم أضاف : لقد كتبتم أسمائكم على أموالكم وهاهي أموالكم في نفس الصندوق الذي وضعتموها فيه في أول مرة , فلتتقدموا واحدا واحدا لتأخذوا مالكم .
بعد ذلك تقدموا غير مصدقين آذانهم إلى مجلس بسيط حيث شاهدوا الصندوق بأعينهم ثم قام كل منهم بأخذ صرته حتى انتهوا ثم خاطبهم قائلا :
هل لاحظتم أن صرركم لم تفتح , نعم لم تفتح ولم أكن مضطرا لفتحها فهي كما أتيتم بها فخذوها ولا أريد أن أراكم بعد اليوم , لقد كنت بحاجة إلى اختبار بسيط لأعرف من هو الصديق منكم وقد عرفت .
في تلك اللحظة كان الرجل الذي ارتهن المنزل قد حضر وأسر في أذن التاجر بشيئ , فإذا بالتاجر ينتفض فجأة ويمتليء وجهه بالسرور ويسأل الرجل:
- أين هو ؟
-إنه في منزلي
-هلم بنا إليه
-لكنه أبى بشدة أن يراك في هذا الوضع فقط طلب مني أن أفك الرهن تحت اسم فاعل خير وأرد إليك منزلك.
- ألا تعلم بأني أبحث عن الصديق الحق في هذه الغابة من المنافقين ؟ هلم بنا إليه .
تحت إلحاح التاجر , لم يجد الرجل بدا من أخذه إلى منزله فلما وصلا لم يجداه ,كاد يجن جنونه ثم طلب منه أن يصفه له , فقال الرجل :
- تبدو عليه علامات الطيب والخير , لكن يبدو أنه كافح ليجد هذا المبلغ , لآن الفقر ظاهر في ملابسه .
عندها لم يستطع التاجر مغالبة الدموع التي قفزت إلى عينيه من التأثر وصاح
- إنه هو , صديق الطفولة , ليس سواه إنطلق بنا إليه .
انطلق الرجلان حتى وصلا منزل صديق الطفولة فوجدا زوجته وفي حضنها طفل , فسألاها عن زوجها فأجابتهم بأنه خرج من الصباح الباكر ليبيع ماشيتهم ولم يعد بعد.
- سالها صديق زوجها ولماذا يبيع الماشية ؟
- العلم لله , فلم يقل لي السبب .
بعد قليل جاء الزوج فبادره صديقه التاجر بالعناق وشكره على فك رهن منزله.
فرد عليه بأن هذا كل ما استطاع أن يفعله الآن ومع ذلك فلم يتوقع وصوله لأنه طلب من الرجل أن لا يخبره بمن فك الرهن ,
ثم دعاهما للبقاء قليلا ليتناولا طعام الغدا البسيط الذي ستعده زوجته بعد أن ينام الطفل .
بعد الغداء أخبر التاجر صديقه بالقصة كاملة وطلب منه أن لا يقلق فتجارته كما هي بخير أما المنزل الذي فك رهنه فإنه أصبح ملكه الآن وأنه سيكون شريكه في التجارة مناصفة من اليوم بمبلغ الرهن .
لم تنفع محاولات صديق الطفولة في تغيير الأمر فقد أصبح شريكا لصديقه في التجارة ويملك منزلا فخما غصبا عنه